الجمعة، 26 يوليو 2013

حكايات فى الغربة (1)


 
أقف منتظرا دورى فى طابور يتكون من بضع أشخاص جميعهم يعلو وجهه شىء من الأمل المصحوب بالإبتسام ،فهذا هو اليوم الذى ينتظرونه فى بداية كل شهر ليرسلون أموالا إلى أهلهم .

أتلفت حولى لأتفحص تلك الوجوه من مختلف الجنسيات هنود مصريين يمنيين باكستانين ،ترى فى ماذا يفكرون ؟ لا يجمع بين هؤلاء شىء سوى الغربة . تلك التى يعيشون على أمل أن تنتهى يوما فيرجع كل و قد قضى مأربه والذى لا يتجاوز حد بناء بيت له ولأهله ،أو أن يساهم فى مصاريف أهله و يساعد فى زواج إخوته أو يرسل مصاريف دراسة أبنائه الذين يأمل أن يكونوا أفضل حالا منه.

أعترف أننى غير مشترك مع هؤلاء القوم فى تلك الأغراض ، ربما تكون غربتى نوع من الهروب ليس إلا ، يمر الوقت و أنا أمسك بهاتفى الجوال أتفحص بريدى الألكترونى فمازال أمامى أربعة أشخاص ،أنظر بين الحين والاّخر إلى الموظف القابع أمامى فى الشباك مندمجا فى طلب البيانات من الأشخاص حول أى فرع يريدون أن يرسلوا أموالهم إليه ؟ هل تريد أن ترسل بالريال أم بالدولار ؟

أسمع صوت أتبين بعد ذلك أن حارس المكان يرتل القراءن بسرعة وكأنه يريد أن ينتهى على عجل ، يدخل أحد الأشخاص أسمر اللون يبدو من ملابسه الزرقاء وحذائه البلاستيك أنه ممن يعملون فى جمع القمامة أو فى الصرف الصحى ،يبدو أنه قد تجاوز الأربعين عاما تعلو وجهه مسحة من حزن و يخط الشيب فى رأسه يتجاوزنى و يقف أمام الشباك بجوار شخصيين تبدو لهجتهم أنها من دلتا مصر ،أتفحص وجه الرجل ونظراته لا يبدو عليه الإرتباك لتجاوزى ولا يبدو أنه يلقى لذلك بالا .

أقف منتظرا وأنا أفكر ،هل أستفسر منه عن ما إذا كان يريد أن يأخذ دورى هكذا بدون إستئذان ؟ أحاول أن أتخيل رد فعله و رد فعلى تجاه إجابته .

لا أدرى لماذا لم أتكلم ؟ نظرت إلى الرجل وهو يمسك ببطاقة إقامته فى يد و فى يده الأخرى ورقة من فئة الخمسمائة ريال ،يطلب الموظف منه إقامته ثم يقوم من مكانه ويذهب إلى ماكينة التصوير ،لم أتمالك نفسى من سؤال الرجل ، لماذا تجاوزنى فى الطابور ؟ بدون أن ينظر إلى يرد بأنه كان واقفا هنا منذ بضع دقائق ثم انصرف ليأتى ببطاقته .

يعود الموظف ،يسأله بلغة تبدو أنها الأردية ثم يتناول منه المال ، يشير إلى الموظف لأتقدم ،يتنحى الرجل جانبا ليفسح لى مكانا ، منتظرا أن يحصل على الورقة الزرقاء التى تفيد بإرساله المال .

يسألنى الموظف لمن تريد إرسال المال ؟ فأرد فى سرعة إلى والدى ناطقا اسمه بالكامل الذى يظهر أمامه على شاشة الحاسوب ، يسألنى مرة أخرى كم المبلغ ؟ ستة عشر ألف ريال ثم أنظر إلى ملامح الرجل بجانبى فأرى نظرة دهشة ، أتخيل طبعا ذلك الخاطر الذى يجول فى نفس الرجل ، ياه كل هذا المبلغ !! ربما أحتاج إلى سنتين لأجمعه وهذا يرسلهم هكذا دفعة واحدة.

بينما أرى ماكينة عد النقود ، تعد المال الذى ناولته للموظف يمد الشخص الواقف بجانبى يده ليحصل على إيصاله الأزرق ثم يمشى خارجا وأنا أتبعه بنظراتى.

أخرج متلفتا يمينى وشمالى باحثا عن الرجل فلا أراه ، أركب فى سيارتى ممسكا بهاتفى متحدثا إلى والدى لأخباره بأنى قد أرسلت له مالا وبينما أنا أطلب منه أن يتأكد من وصول المال إليه ،ألمح الرجل واقفا على ناصية الشارع ممسكا بهاتفه الذى لا يظهر من صغر حجمه وهو تعلو وجهه ابتسامة خفيفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق