السبت، 27 يوليو 2013

إيش بكم يا المصارى ؟!!


 
أجلس منتظرا مقابلة الطبيب فى إحدى مستشفيات جدة تلك المدينة التى أعمل بها منذ ما يقارب الأربع سنوات ، يجلس بجوارى أحد أصدقائى ممسكا بهاتفه يلعب إحدى الألعاب السخيفة التى ليس طاقة على ممارستها.

المكان مزدحم ويبدو أننى سوف استغرق وقتا لمقابلة الرجل لأخبره بتوفر الدواء فى الصيدلية من جديد ليتمكن من كتابته لمرضاه مرة اخرى ، فتلك هى وظيفتى مندوب دعاية طبية أعمل فى تسويق الدواء.

يأتى أحد المرضى يبدو من ملابسه أنه سعودى الجنسية ويجلس بجوارنا بدون أن يتكلم ، يسألنى صديقى بدون أن ينظر إلى ألم يحن الوقت لزواجك بعد ؟ أتنهد تنهيدة مصحوبة بإبتسامة وأنا أقول له ربنا يسهل الإجازة دى إن شاء الله.

ينفتح باب المصعد الذى نجلس أمامه مباشرة فتخرج إمرأة جميلة تتحدث بلهجة شامية و تخبر أحدا أنها موجودة الان فى المستشفى ، ينظر صديقى إلى المرأة قائلا بصوت خافت : هذه المستشفى مليئة بالجميلات فأهز رأسى بالموافقة و أنا أنظر يمينى إلى السعودى الجالس بجوارى فأراه منشغلا بهاتفه الألكترونى غير مكترث بنا أو بما نقول.

يعود صديقى إلى ممارسة لعبته و أنا أخرج هاتفى متفحصا الأخبار فى مصر اليوم فألمح عنوانا عن توتر الأوضاع من جديد فى المحروسة بعد خروج مظاهرات عارمة ضد رئيس الجمهورية الذى لم يمر عليه عاما فى الحكم وإعلان الجيش عزله من منصبه.

ينفتح المصعد مرة اخرى فأرى احد زملائى الذى يعمل فى نفس شركتى منذ شهور قليلة ، يبادر بإلقاء السلام ثم يقف امامنا وهو يتلفت حوله ليتفحص الوضع إن كان مناسبا لزيارات الاطباء . أسأله بسخرية لماذا أطلق لحيته ؟ يضحك صديقى الجالس بجانبى فأعود و أكرر عليه السؤال , هل كنت تنتظر أن يذهب الإخوان من السلطة لتطلق لحيتك ؟

يرد بسرعة وكأنه ينفى عنه التهمة ، أنه يعانى من بعض الألتهابات التى تمنعه من حلاقة ذقنه. أبتسم ثم اعود إلى النظر إلى هاتفى فأسمع صوت السعودى بجانبى متحدثا بلهجته : والله ما أدرى إيش بكم يا المصارى ؟ إيش تبغون؟ كل يوم رئيس وكل يوم مظاهرات ، ارحل ارحل ارحل إيش بكم انتوا اشتريتوا ها الكلمة ولا إيش ؟

نضحك أنا وصديقى بجانبى ثم نرد عليه أن الوضع مختلف عن ما يبدو ظاهرا له . يتركنا زميلى الملتحى ويذهب ليلحق بأحد الأطباء الخارج من عيادته.

والله أنا لو رأيت مرسى لأقبل رأسه ، انتم ما تبغون الإ الهشك بشك ،أحاول الرد على السعودى فلا يعطينى الفرصة مكملا حديثه : رئيس بيصلى ويخاف الله و انتم تقولوه ارحل  ،ما فيه صبر على الرجل ليش ؟!

يبادره صديقى بالقول بإستغرابه من رد فعله على الرغم من إعلان الملك دعمه للجيش بل وإرساله أربعة مليارات إلى خزينة الدولة فى مصر ، فلماذا يحزن معظم السعوديون عم ما حدث للإخوان ورئيسهم فى مصر ؟

يرد الرجل وقد خفت صوته أنهم هنا – قاصدا حكومته – يخشون أن تنتقل الثورة إليهم و هم يعتقدون أن الإخوان هم مصدرى الثورة إلى البلدان ، سألته ولكن هذه بلد تطبق الشريعة والإخوان ينادون بذلك ألا يكفى هذا لمساندتهم ؟

ضحك بسخرية ثم قال : والله هنا يحبون أمريكا و إسرائيل ،تدرى ليش احنا ما عندنا جيش ؟ سألته بإستغراب واضح : ما عندكم جيش ؟! وماذا عن كل هذه الأسلحة التى تستوردونها ؟

رد الرجل بنفس نبرة السخرية : يا شيخ أسلحة إيش ، الجيش كله ما يكمل مائة وخمسون ألف وانت تقولى أسلحة ،مين يستخدم كل ها الأسلحة ؟ هنا أمريكا تحميهم علشان البترول ، رد صديقى بجانبى مخاطبا الرجل : والله انت برنس .

انتهزت فرصة البهجة التى ظهرت من إطراء صاحبى على الرجل وحاولت أن أجعله يفهم لماذا لا يقبل المصريون بحكم الإخوان ؟ وتاريخ الإخوان منذ بداية الثورة حتى الان، ثم تذكرت أنه لا فائدة ترجى من جعل هذا الرجل يفهم الإ أن ينوبنى من الصداع ما لا أتحمله الان.

فجأة يصيح الرجل مخاطبا الممرضة بصوت مرتفع: مين هذا اللى كل شوى يخش ؟ أيوه أبو شعر هذا ،حد يدفه بعيد . ينظر إلى الرجل مراهقا و هو يبتسم فيخاطبه الرجل وهو يبادله الإبتسام : والله هذا ليه ساعة كل ما يفتح الباب يدخل شده من شعره ها الحيوان وأنا منتظر لى أكثر من ساعة.

أضحك ثم أقول له ساخرا : ليش ما تصبر على الرجل .

 

الجمعة، 26 يوليو 2013

حكايات فى الغربة (1)


 
أقف منتظرا دورى فى طابور يتكون من بضع أشخاص جميعهم يعلو وجهه شىء من الأمل المصحوب بالإبتسام ،فهذا هو اليوم الذى ينتظرونه فى بداية كل شهر ليرسلون أموالا إلى أهلهم .

أتلفت حولى لأتفحص تلك الوجوه من مختلف الجنسيات هنود مصريين يمنيين باكستانين ،ترى فى ماذا يفكرون ؟ لا يجمع بين هؤلاء شىء سوى الغربة . تلك التى يعيشون على أمل أن تنتهى يوما فيرجع كل و قد قضى مأربه والذى لا يتجاوز حد بناء بيت له ولأهله ،أو أن يساهم فى مصاريف أهله و يساعد فى زواج إخوته أو يرسل مصاريف دراسة أبنائه الذين يأمل أن يكونوا أفضل حالا منه.

أعترف أننى غير مشترك مع هؤلاء القوم فى تلك الأغراض ، ربما تكون غربتى نوع من الهروب ليس إلا ، يمر الوقت و أنا أمسك بهاتفى الجوال أتفحص بريدى الألكترونى فمازال أمامى أربعة أشخاص ،أنظر بين الحين والاّخر إلى الموظف القابع أمامى فى الشباك مندمجا فى طلب البيانات من الأشخاص حول أى فرع يريدون أن يرسلوا أموالهم إليه ؟ هل تريد أن ترسل بالريال أم بالدولار ؟

أسمع صوت أتبين بعد ذلك أن حارس المكان يرتل القراءن بسرعة وكأنه يريد أن ينتهى على عجل ، يدخل أحد الأشخاص أسمر اللون يبدو من ملابسه الزرقاء وحذائه البلاستيك أنه ممن يعملون فى جمع القمامة أو فى الصرف الصحى ،يبدو أنه قد تجاوز الأربعين عاما تعلو وجهه مسحة من حزن و يخط الشيب فى رأسه يتجاوزنى و يقف أمام الشباك بجوار شخصيين تبدو لهجتهم أنها من دلتا مصر ،أتفحص وجه الرجل ونظراته لا يبدو عليه الإرتباك لتجاوزى ولا يبدو أنه يلقى لذلك بالا .

أقف منتظرا وأنا أفكر ،هل أستفسر منه عن ما إذا كان يريد أن يأخذ دورى هكذا بدون إستئذان ؟ أحاول أن أتخيل رد فعله و رد فعلى تجاه إجابته .

لا أدرى لماذا لم أتكلم ؟ نظرت إلى الرجل وهو يمسك ببطاقة إقامته فى يد و فى يده الأخرى ورقة من فئة الخمسمائة ريال ،يطلب الموظف منه إقامته ثم يقوم من مكانه ويذهب إلى ماكينة التصوير ،لم أتمالك نفسى من سؤال الرجل ، لماذا تجاوزنى فى الطابور ؟ بدون أن ينظر إلى يرد بأنه كان واقفا هنا منذ بضع دقائق ثم انصرف ليأتى ببطاقته .

يعود الموظف ،يسأله بلغة تبدو أنها الأردية ثم يتناول منه المال ، يشير إلى الموظف لأتقدم ،يتنحى الرجل جانبا ليفسح لى مكانا ، منتظرا أن يحصل على الورقة الزرقاء التى تفيد بإرساله المال .

يسألنى الموظف لمن تريد إرسال المال ؟ فأرد فى سرعة إلى والدى ناطقا اسمه بالكامل الذى يظهر أمامه على شاشة الحاسوب ، يسألنى مرة أخرى كم المبلغ ؟ ستة عشر ألف ريال ثم أنظر إلى ملامح الرجل بجانبى فأرى نظرة دهشة ، أتخيل طبعا ذلك الخاطر الذى يجول فى نفس الرجل ، ياه كل هذا المبلغ !! ربما أحتاج إلى سنتين لأجمعه وهذا يرسلهم هكذا دفعة واحدة.

بينما أرى ماكينة عد النقود ، تعد المال الذى ناولته للموظف يمد الشخص الواقف بجانبى يده ليحصل على إيصاله الأزرق ثم يمشى خارجا وأنا أتبعه بنظراتى.

أخرج متلفتا يمينى وشمالى باحثا عن الرجل فلا أراه ، أركب فى سيارتى ممسكا بهاتفى متحدثا إلى والدى لأخباره بأنى قد أرسلت له مالا وبينما أنا أطلب منه أن يتأكد من وصول المال إليه ،ألمح الرجل واقفا على ناصية الشارع ممسكا بهاتفه الذى لا يظهر من صغر حجمه وهو تعلو وجهه ابتسامة خفيفة.